الموت والعيد الكاذب
يخبرني : أن القضية المفصلية كانت في أن تحب الحياة أو تحب الموت.
فأجيبه : أن الموت ربما يكون تذكرتنا الوحيدة للحياة
- كيف يكون الموت تذكرة لبداية ما، هذا كلام المجانين وحديثهم. الموت لم ولن يكون بداية لأي شئ، إنه النهاية في أبشع صورها وأقبحها، إنه نهاية التاريخ ونهاية الحاضر ونهاية المستقبل. إنه العدم ولا شئ غير العدم ! وأرجوك لا تزايد علي ، فأنت تعلم يقينا أني أتحدث عن عدم الحياة. إما بعد الموت فهذا شأن آخر.
- أحزين لكونك صرت عجوزا ؟ بهذا السؤال الكئيب والمرير مرارة العلقم، يفتتح أحد مقدمي البرامج الفرنسية حواره مع فيلسوف العلم الأشهر في القرن العشرين جوستاف بوشلار .
فيجيب بوشلار : حسنا الأمر يحزنني لكن ما السبيل، أنا عجوز في النهاية، هكذا تصير الأمور !
- لكن ماذا لو كان السؤال موجها ليس لبوشلار صاحب ال90 عاما، ماذا لو وجه لبوشلار في ريعان شبابه. بوشلار الشاب المتعطش للحياة بكل ملذاتها ما وافق منها الأخلاق وما عارض. بل الأهم ماذا لو كان السؤال : اخائف من أن تصير عجوزا ؟ بدل كونه أحزين لكونك صرت عجوزا ؟
يكتب مارتن هايدجر في أحد رسائله الغرامية لحنا أرندت " دعينا نتعامل مع الموجود كما هو موجود". حسنا فلم لا نتعامل مع الحياة والموت باعتبارهم وجودا وفقط. لماذا يحاول البعض أن يصنع من الحياة والموت قضية فلسفية، لما نعقد الأمر لهذا الحد المجهد للعقل ، ذلك الملك العجوز والعاجز في مملكة الجسد المجهدة من حروب الحياة ؟ هكذا يسأل صديقي.
- حسنا حسنا، دعك من الحياة ومن الموت، حدثني عن الحب ؟
هو موت المنطق وحياة الجنون. تذكرة الخلود، وخلود الذكري.
لماذا ربطت الحب بالموت؟
لأنه بالحب وبالحب وحده يموت الموت، أعني أنه بالحب فقط يفقد الموت معناه بالنسبة لنا، وحدهم من يحبون هم من يرون الموت علي غير هيئته الموحشة والمخيفة. الحب وحده من يوجد تصالحا مع الموت. أن تحب يعني أن تري الموت تذكرة للعبور لمرحلة آخري من الحياة الأبدية. فيصبح الموت طريقك للقاء أحبة طالت غربتك عنهم واشتد حنينك إليهم فأرق مضجعك . وفي هذا المعني يقول بلال " غدا - يعني بعد الموت - نلقي الأحبة محمد وصحبه "
أتعني بذلك أن الموت بالنسبة للمحبين هو الحياة وأن الحياة هي بالنسبة لهم مرادف للموت ؟
حسنا الأمر برمته يتعلق بمكان المحبوب وحالته، إن كان ميتا فالحياة موت، وإن كان حيا فالحياة فحياة.
ما كل هذا التعقيد واللعب بالألفاظ واعتساف اللغة، أكل هذا فقط لأنك بلغت الواحد والعشرين من عمرك ؟
حسنا. بداية هذا عمر طويل ليحياه المرء علي كوكب كالأرض. وهذا خبر يحزنني كثيرا مع مطلع كل عام. أنا كما تري لم أقم بالشئ الكثير في سني عمري الماضية ولا أحسبني أفعل في قادم الاعوام . اظن ان هذه اسباب كافية لان أكون بهذا الحزن.
إما بخصوص إعتساف اللغة واللعب بالألفاظ، فصدقني وحدهم المحبين من لا تجدهم يلعبون بالألفاظ. لأن الحب وحده يجعل الأمور سهلة لينة، فالحب نقيض الابتذال والتعقيد.
Comments
Post a Comment