عن فيروز
أحترت كثيرا بين أن أكتب عن شهادة الإعتماد والجودة التي لا تألو إدارة الكلية جهدا في الحصول عليها حتي ولو حشدت من أجل ذلك الدارسين بها ككقطعان الأغنام، وبين أن أكتب عن فيروز، وانتهيت إلي أن فيروز أهم، أهم كثيرا ربما .
1- في القاموس الفيروزي، هناك من الكلمات والمعاني ما لم يخطه سواها، الفصول عند فيروز تأخذ تمثلات آخري، فتخرج فيروز بالزمن من معناه الضيق، لتسبح في فضاءات آخري غير تلك التي ندركها نحن.
2- عن رحيل الصيف تحكي السيدة :" مرء الصيف بمواعيده و الهوا لمم عناقيده و معرفنا خبر عنك يا قمر ولا حدا لوحلانا بايدة ".
رحيل الصيف هنا كان كئيبا، لا يختلف كثيرا عن وصول الشتاء " ما عاد فى إلا النطرة و الضجر "، هنا فيروز لا ترى في الشتاء إلا مطرا وضجرا، لا تكتفي بذلك بل تعاتب الصيف عتاب المحبين " بتذكر شو حكيو عليى لما نطرت وانت نسيت، وصار الشتى ينزل عليى واجى الصيف وانت ما جيت "
تواصل فيروز حديثها مع الشتاء، ذلك الذي عشقته فيروز وأظنه عشقها هو أيضا، لكنها هنا تناجيه ليعطف علي أقوام أحبوا وما كتب لهم وصال؛ لعلة جهلهم بحدوث التلاقي " يا دنيا شتي ياسمين ع اللي اتلاقوا و مش عارفين "
تستمر في نداء الشتاء " يا ناطرين التلج ما عاد بدكن ترجعوا ، بصرخ عليهن بالشتي يا ديب ، بلكي بيسمعوا "
ولثلج الشتاء مع فيروز شأن آخر فتقول : " والثلج اجا وراح الثلج ، عشرين مرة اجا وراح الثلج "
عن الشتاء أيضا تحكي السيدة : " بديت القصه تحت الشتي بأول شتي حبو بعضن و خلصت القصه ب تاني شتي تحت الشتي تركو بعضن حبو بعض تركو بعضن "
3- ومن فصول الشتاء ننتقل لأسئلة فيروز الوجودية، والأبدية أبد الانسان، وأبد الحياة، وأبد الحب، تمعن السيدة في تأمل الوجود، لترهقك بأسئلة لا إجابات لها:
- مع مين بدك ترجعي بعتم الطريق ، لا شاعلة نارن ولا عندك رفيق مع مين ؟
- تسأل السيدة محبوبها الراحل : تذكر كيف كنت تقلي مهما يصير انتظريني و ضلك صلي الله كبير ؟
- ساخرة أيضا تسأل السيدة : معقول في اكتر ؟ انا ماعندي اكتر
- وفي تلاعب مبهر بالكلمات تسأل : يساؤل كيف حال الدار كيف مطارح اللعب ؟
4- فيروز تصعد بك لأوج قوتك إن كانت هي في أوج ضعفها، أعني أن فيروز تكون أكثر إبداعا حين تفقد كل خيوط اللعبة لوصل المحبوب، حين تتذلل في طلب الوصال، تراها ضعيفة متعبة، هدها الوجد، والشجن:
- ما اصغر الدمعه انا دمعه بدربك
- ياريتك مش رايح ، ياريتك تبقى ع طول
- حبيتك نسيت النوم يا خوفي تنساني
- حبسي أنت ، حبسي و حريتي أنتْ و أنت اللي بكرهو و اللي بحبه انت .
- زعلي طول انا وياك و سنين بكيت جرب فيهم انا انساك ما قدرت نسيت
- واللى ذكر كل الناس فى الاخر ذكرنى
- شو بدى دور لشو عم دور على غيره، فى ناس كتير لكن بيصير ما في غيره .
- يا هم العمر يا دمع الزهر
- وانا عينى ع الحلى والحلى ع الطرقات، غنيلة غنيات وهو بحالة مشغول
- حلفتك يا حبيبي لا تنسى يا حبيبي لما بتسمع هالغنية فكر فيّ .
- وبخاف تودعني وتفل وماترجع
لا تهملني لا تنساني ما الي غيرك لا تنساني
- لا تهملني ولا تنساني يا شمس المساكين
- عيوننا اليك ترحل كل يوم
5- حتي ديالكتيك الفلسفة لم يغب عن السيدة، بل تراه متمثلا في كلماتها فتقول : " فى امل ايه فى امل اوقات بيطلع من مللل"
6- فيروز مترددة كعادتها، تقتلها الحيرة، لا قرارات حاسمة هنا ما دام الكلام عن فيروز، هنا روح ممزقة، وقرارات مؤجلة، هنا خوف من التبعات، وهروب من المسؤوليات فنراها تنشد:
" إذا رجعت بجن و إن تركتك بشقى، لا قدرانة فل و لا قدرانة أبقى " وفي مقطع آخر تقول: "بشتاقلك لا بقدر شوفك و لا بقدر احكيك "
7- ولفيروز من الجمل ما نحتاج معها لتأملات لنفهم ما كانت ترمي إليه، هنا نحن أمام بحور من المعاني، بحور تحتاج أن تولج، تقول السيدة:
- إنما الناس سطوراً كتبت لكن بماء
- يا رحلة فى مدى النسيان موجعة، ما كان اغنى الهوى عنها و اغنانا
- سكنت في الغياب مرتين
- يعز علينا غدا ان تعود ، رفوف الطيور ونحن هنا .
- و أنين الناي يبقي بعد أن يفني الوجود
- ويمسح دمعة سبقتك رغم تمنع الهدب
- اكتم الشوق موعدا في وريقة العمر
8- حتي في الندم لفيروز كلام ومداد قلم غريب فتقول نادمة:
" يا سنينى اللي راح ترجعي لي، ارجعيلي شي مرة ارجعي لي و انسينى ع باب الطفولة ت أركد بشمس الطرقات "
9- حتي في حنينها نراها مشتتة، حتي أنها لتحن ولا تعرف حقيقة لمن توجه إليه الحنين " أنا عندي حنين ما بعرف لمين "
10- أخيرا تستسلم فيروز ، وترفع الرايات البيض فتقول " يا حبيبي شو نفع البكي شو اله معني بعد الحكي، مازالا قصص كبيرة وليالي سهر وغيرة تخلص بكلمة "
تستسلم فيروز وترضي بقدرها فتقول:" في ماضي منيح بس مضي صفا بالريح بالفضا بيضل تذكار لمشهد صار في خبز في ملح في رضا "
تمعن فيروز في الإستسلام للأمر الواقع حتي كأن الأمر لم يعد يعنيها فتقول:" تمرق علي تمرق ما بتمرق ما بتمرق مش فارقه معاي مش فارقه معاي "
لكنها تنتهي إلي غير الإستسلام فتقول: " فيا رب سوي الحب بيني وبينها يكون كفافا لا علي ولا ليا "
وتختم بقولها :
عندي أمل فيك و بيكفي .
Comments
Post a Comment