عن هشاشة حياتنا
- يحاول البعض أن يصنع لنفسه عالما خاصا يتقوي به علي واقعه ، عالم يجمله بمجموعة من الأفلام التي تجعله يحيا لحظات من الخيال فيصعد الفضاء مع جورج كلوني في tomorrow land ، ويحب إحداهن ويتزوجها في سلام مع توم هانكس في you've got mail ، ويحقق الثراء مع ديكابريو في the wolf of wall street ، ويغامر مع جوني دب في pirates of the caribbean ...
- هؤلاء ستراهم غالبا لا تفارقهم سماعات الإذن سواء بحجمها الكبير أو الصغير ، يضعونها في المواصلات وفي الطرقات ، في الجامعة ، وربما داخل المحاضرات ، هي لا تفارقهم ولا يفارقوها كطفل صغير يتشبث بأمه خوف التيه والضيعة . المزيكا هنا وفي هذه الحالة تخرج من كونها فعلا ممتعا يصنع البهجة ، إلي كونها فعلا دفاعيا يمارسونه ليوقوفوا به ضجيج العالم ، صخبه الذي لا ينتهي ، يتمردون بالمزيكا علي الواقع ، يحيون مع عزيز مرقه ومايك ماسي وأميمة خليل وغادة شبير وجوليا بطرس وريم البنا ومنير وفيروز وآخر زفير وجدل واوتوستراد وأم كلثوم وadele وtaylor swifft وeminum ، حياة لم يستطيعوا عيشها في واقعهم . خذلهم الواقع وانصفتهم المزيكا ، لا لشئ ، إلا لأن الموسيقي مذ وجدت وما كان غرضها إلا أن تقلل بؤس العالم أو كما قال أحدهم " music always help " .
- هذا البعض لا تخلو حقيبة ظهره من بعض الكتب والروايات كتلك التي يكتبها عرابهم توفيق ، تراهم يقرأون لماركيز 100 عام من العزلة وعقلهم ما زال مع سارماجو في هكذا كانت الوحدة ، يقرأون في الفكر بحثا عن حل لواقعهم ، فتجدهم يتعثرون بأسئلة الفلسفة فيسقطون في فرعها من الانطولوجيا حيث الأسئلة السرمدية من أنت ؟ ومن أين جاء العالم ؟ وإلي أين ينتهي ؟ يقرأون الواقع من عيون الخيال ، ضاق بهم الواقع واتسعت لهم صفحات الكتب ، هم في الغالب لا يفوتون أي فاعلية ثقافية أو فكرية ، من ندوات هنا ومؤتمرات هناك ، من نقاش هنا لنقاش هناك ، يمضون الوقت ، يقتلونه ربما ، يتحرشون به حتي لا تغتصبهم عدمية عدم الفعل وعجز التغيير .
- يسيرون دائما في لامبالاة مزعجة للآخرين، الآخرون وما أدراك ما الآخرون، هذا البعض يتمرد دائما يعترض دائما ، هو وحده يثبر أغوار السلطة أينما حلت وكيفهما كانت ، يعرف زيفها وخداعها ، هذا البعض من الصعب أن يتوافق مع والده علي طول الخط ، ناهيك عن أن يتوافق مع إدارة القسم أو عميد الكلية ، أو دكتور المقرر ، هو ناقم دائما ، متمرد علي الواقع ومن فيه .
- هذا البعض لا يمل السؤال ، لا يمل البحث ، ربما مل منذ زمن من الحصول علي الإجابات، لكنه لم يمل يوما من طرح الأسئلة، ربما كانت تقصدهم دكتورة هبة رؤوف عزت حين كتبت في اهدائها لكتاب " الخيال السياسي للإسلاميين " :
إلي الذين لا يملون السؤال !
- يوصفون أحياناً من الآخرين سالفي الذكر ، بالعمق وبالابتذال ، بالفشل عن التعامل مع الواقع ، بالعدمية ، بعدم القدرة علي تحمل المسؤولية، بالتعقيد ، بالإختلاف عن الآخرين، بالخروج عن التقاليد ، سواء تلك التقاليد المتعلقة بالدين أو المجتمع ، يوصمون أحياناً بقسوة القلب ، وأحياناً بالعجز ، إلي غيرها من الوسوم التي لا تعبر إلا عن تصورات قائليها عن هؤلاء البعض .
كيف نصفهم نحن إذا ؟
هم مزيج مزعج من كل هذه الصفات .
- من السبب إذا ؟ ضحايا هم أم جناة مجرمون ؟ الدولة التي أغلقت المجال العام في وجههم ؟ وأعتقلت الشباب والشيبة ، أم النخب التي باعت أحلامهم في مزاد السلطة وبهرجة الكراسي ؟ أم العجائز الذين ساؤهم ويلات الخنوع والخضوع لما يطلقون عليه أمرا واقعا ؟
- المؤكد هنا أنهم ومهما يظهرون من رباطة جأش ولامبالاة وعدمية في تعاملهم مع الواقع ، فالمؤكد أنهم يعيشون حياة هشة ، حياة مهددة طيلة الوقت ، من فرط الأسئلة التي لا إجابات لها ، ومن فرط الوعي بالواقع ؛ فأن تعي يعني أن تتألم وهؤلاء وعوا وشربوا من كؤوس الوعي حتي الثمالة ، لذا فواقعهم هش ، لأنه واقع صنع من الخيال ، هو واقع في عوالم أخري، لذا تراه واهن كبيوت العنكبوت ، لكنه في النهاية وبالنسبة لهم خير من التماهي مع واقعهم الفعلي .
* اظنهم ورغم كل شئ يفضلون هشاشة الخيال الحقيقي ، علي تماسك الواقع المزيف .
Comments
Post a Comment