Posts

Showing posts from March, 2019

الكتابة والمعاناة

Image
أنكتبُ لأنفسنا أم للآخرين؟ أندافعُ بكتاباتنا عن بؤسِ العالم وبؤس الوطن أم أنَّ الأمر برمته لا يعدو كونه تسريبات لمعركة النفس الداخلية؟ ترى أيستحقُ العالم من الأساس أن يُفني أحدهم العمر من أجل الكتابة عنه وعن بؤسه اللامتناهي؟ أيستحق العالم كتابات ماركيز وبن نبي ودستوفيسكي وبيجوفيتش وكامو وكونديرا وغيرهم؟ اقرأ العالم يوماً صفحة واحدة مما كتبوه بعقل الواعي المتدبر الباحث عن الحقيقة وعن التغيير؟ ولماذا نكتب من الأساس إذا كان وقع الواقع ووطأته أكبر من حجم كلماتنا؟ وما وسعُ اللغة أن تفعله أمام سيلٍ من تدفقات الحياة اليومية التي لا تنتهي إلا بنهايتنا؟ تبدو هذه الأسئلة سرمدية للوهلة الأولى، ولا إجابات لها، على الأقل في أفقنا الفلسفي والمعرفي حالياً، وأن ما يقدم بشأنها من إجابات لا يتخطى الرؤى الشخصية التي تعبر عن تجارب شعورية ذاتية مع الكتابة. لكن وبنظرة متفحصة لهذه الأسئلة، فإننا نجدها لا تخرج عن سؤال واحد، مكون من كلمتين: لماذا نكتب؟ وما يأتي من سطور لا يعدو كونه محاولة متواضعة لتقديم رؤية شخصية لسؤال: لماذا نكتب؟ رغم اعترافي الصادق بصعوبة هذه المهمة، وربما استحالتها. يكتبُ البعض عند حصار ال...

السلطة المعرفية ووهن المثقف

Image
إذا كنا بصدد حديث موسع حول فشل علم السياسة الغربي ومناهجه التي تدرس في مصر وفي العالم العربي على العموم. فإننا نُدفعُ دفعاً، إلى حديث مقابل لا يقل أهمية يتعلق بضرورة البحث عن تصور بديل لعلم السياسة في عالمنا العربي. وهو حديث ذو شجون، يعلم بذلك المهتمين بهذه القضية، من رجالات المجال ودارسيه في مصر وخارجها. إن التفكير في وضع علم سياسة جديد، ينبع من تصوراتنا المعرفية الخاصة بعالمنا الإسلامي، يجعلنا نركز وبشكل أساسي على إيجاد بيئة مناسبة لعملية التنظير السياسي، والتي يعتبر المنظر السياسي أو باللفظ الحديث الباحث السياسي، أهم عناصرها وركنها الركين، الذي بدونه ينتفي وجودها. ولأن تشخيص المرض كما يقول علم الطب أهم وأسبق من علاجه، كان واجباً على المشتغلين بعلم السياسة أن يعيدوا تشخيص الأمراض التي تعاني منها بيئة التنظير السياسي، ويعاني منها بالتحديد المنظر السياسي. هذا المقال في الحقيقة ما يزال يسير في ركاب سابقه، يدنو إلى الشخصية والمعايشة أكثر من كونه أكاديمياً موغلاً في الأكاديمية. لذا فهو يقدم طرحاً شخصياً يتعلق برؤية محددة لأحد الأزمات التي يواجهها المنظر السياسي في واقعنا المعاصر، وهي أزمة...

الهروب الكبير.. الحب بين الخفة والثقل

Image
وددت لو صادقتُ على كلامك بخصوص الحب والخفة والثقل، لو أني قلتُ في الحب مثل ما تقول، تمنيت لو أني اعتبرت الوقوع في الحب يوقعنا في صدارة المشهد، وفي قلب التاريخ، وأنه يعني بشكل ما تنازلاً سلساً لأناتنا لصالح الآخر (المحبوب). وددت لو قلت أن الحب يمنحنا الخفة، ويمنع عنا الثقل، ويجنبنا رمادية ما بين الخفة والثقل، لو قلت أنَّا نكتمل بالحب، نصيرُ أقوى، وأكثر صلابة لنبصق في وجه الحياة والتاريخ، لو اعتبرت الحب مثلك استعارة عن الوصول، وتحققاً للطلب، ليت شعري لوددت لو أني رأيت في الآخر سكناً كما تصف، أرضاً يابسه نصل إليها بعد طول إبحار وسط المياه الشاسعة. أنَّ أشبهه للناس مثلك بأنه القشة التي يتعلق بها الغريق خوف الغرق المرير في دوامات الوحدة والعزلة والوحشة عن العالم وعن الوجود. لكني لم أر أي من هذا، ولا أحسبني أراه. وعلى العكس تماما، فلطالما رأيت في الحب أعلى تجلي للإحساس بالثقل غير المحتمل، والخفة التي تهدد بالطيران وضياع كل شيء. الحب عندي لا يضعنا في قلب التاريخ، ولا في صدارة المشهد؛ بل يتركنا في حقيقة الأمر على قارعة الطريق، وقارعة التاريخ، على الحافه والهامش مهددين في كل لحظة بالسقوط. بالسق...

«مويك» و«ما بعد الإسلاموية»

Image
غالبًا ما سيتم النظر إلى الحديث عن «مويك» على أنه حديثٌ عن نشاط طلابي، أو مجرد نموذج محاكاة يوجد في مجموعة من الجامعات المصرية، وبالتحديد جامعة القاهرة منشأ النموذج، والإسكندرية وحلوان والأزهر وغيرها. لكن في الحقيقة، هذا المقال لا يعالج «مويك» كنشاط طلابي، بل إنه يدرسه باعتباره فضاء من الفضاءات المنتمية للمساحة الإسلامية بشكلها التقليدي، وربما فهم ما يحدث للنموذج من تغير بنيوي يسهم بشكل ما في تعميق فهمنا لحركة الأسلمة بشكلها الأكبر، ومن ثم محاولة استشراف لمستقبل حركاتها، خصوصًا مع التحولات التي أحدثها الربيع العربي، في مصر بالتحديد. لذا، فالمقال يداول بين فهم «مويك» من خلال فهم الفضاء الإسلامي الأوسع، وبين فهم الفضاء الإسلامي الأوسع من خلال فهم «مويك». يسير المقال في ثلاثة خطوط رئيسة، تتقاطع مع بعضها البعض، يتناول الأول منها التغيرات التي حدثت في طبيعة الشخصية الإسلامية نفسها، ويعنون بـ«الإسلاميون الجدد». والخط الثاني يتناول بشرح مبسط، مفهوم «ما بعد الإسلاموية» كمفسر لحالة الإسلاميين الجدد، وللأفكار التي يعتنقونها، ويعنون بـ«ما بعد الإسلاموية والإسلاميون الجدد». أما الخط الثالث، فأحاول...

شحاذون ونبلاء

Image
قليلة هي تلك الأعمال السينمائية المصرية التي تعالج قضايا فلسفية تتعلقُ بصميم بنية المجتمع، وربما يعد فيلم «شحاذون ونبلاء» رائدًا في هذا الصدد. فبنهاية الحرب العالمية الثانية، وفي حي شعبي تُقتلُ فتاة ليل، ويتولى التحقيق في مقتلها ضابط شاب، فيتعرف من خلال التحريات على ثلاثة شبان مثقفين بلا عمل محدد، كانوا من المترددين عليها. الصعاليك الثلاثة هم (جوهر) الشاب ذو الثقافة، شديد الإحباط بعد فقدان عمله كأستاذ للفلسفة لاعتراضه على تزييف التاريخ والجغرافيا لتلاميذ المدارس، والثاني (الكردي) المثقف الأكثر واقعية، أما الثالث (يكن) وكان من أشد المعجبين بجوهر وبفلسفته في الحياة. تتابع الأحداث فيما بعد وسط الكثير من الصراعات وأصابع الاتهام التي توجه للجميع بُغية معرفة القاتل. ويطرحُ الفيلم تصورًا ذا نزعة تشاؤمية للواقع المصري أثناء الحرب العالمية الثانية، ذلك الواقع الذي عَجّ بالفساد، والجهل، والفقر، وانتشار الدعارة، وتخلى فيه المثقفون عن دورهم التغييري ونزعوا نحو العدمية، محاولين بها الهرب من لعنة المسؤولية الملقاة على أعناقهم بحكم ما يمتلكونه من معارف. وأحاول في هذا المقال الاقتراب من تلك المعضلة ال...

«الحب السائل»: لماذا يفشل جيلنا في الحب؟

Image
في الأصل يكون التفكير في الحب تفكيرًا في نوع من الرابطة الروحية مع ذات أخرى، تمنح المحب نوعًا من الاستقرار الذي يفتقده في حياته اليومية، تلك التي تتميز بدرجة مرتفعة وقاسية من التغير، أو بلفظة «هيرقليطس»: «الثابت الوحيد في هذا العالم هو أن العالم يتغير». الحب بهذا التصور هو فعل للبحث عن السكينة، بحث عن مطلق وثابت، يخرج الأفراد من نسبية اليومي والمعاش. يصح إذن أن نقول إن رحلة البحث عن الحب هي رحلة البحث عن المطلق في عالمٍ تتحرش به النسبيات. تغيرت هذه المعادلة، يقول «باومان» في كتابه «الحب السائل». فالحب أو العلاقات العاطفية برأيه لم تعد مركزًا لهذا الأمان، بل صار الحب هو الآخر واقعًا حد اللجاج في نسبية اليومي المتغير والمعاش. مفسرًا هذا التحول الدراماتيكي، يرى «باومان» أن مجتمعنا الحداثي يقع وبشدة تحت وطأة أنماط استهلاكية عالية، والعلاقات الاجتماعية والعاطفية تقع في القلب منها. حيث يتم التعامل مع الآخر على أنه سلعة استهلاكية يتم التنازل عنها بمجرد ظهور سلعة أخرى تغوي بفرصة أكبر، وبمستوى إشباع أعلى. للتقريب، فلتتخيل معي أن لديك أسهمًا معينة في البورصة، وظهرت أسهم أخرى تحقق أو يتوقع أن تحق...

الحب كتجاوز للأنا

Image
يجادلُ البعض من الأساس في وجود كلمة “حب "، من الأصل، ناهيك عن الحديث عن مستويات أعلى من تمثلات هذا الشعور، كالتعلق والذوبان في الآخر، كما يطرح هذا المقال. لكن يبدو أن المرء لا يملك تلك الرفاهية لينفي وجود هذا الشعور، أو بلفظة الفيلسوف الفرنسي الآن باديو في كتابه "في مدح الحب” Eloge de l’amour :“إن الشخص الذي لا يتخذ الحب نقطة بداية له لن يعرف أبداً ما هي الفلسفة”. وأنا أتمنى أن أعرف الفلسفة، وأبحث عنها بحث الغريب عن الوطن. في أحد أغانيها، تصرخ السيدة أم كلثوم بصوتها الأجش المبحوح “كنت بشتقلك وأنا وأنت هنا”. بدا لي ولوهلة أني أخطئتُ في إلتقاط كلمات الأغنية، أعيدها مرة آخرى، لأتأكد من أن السيدة قد عنت ما قالت “كنت بشتقلك وأنا وأنت هنا”. اتسأل مندهشاً أعليلٌ هو كان منطق السيدة؟ فكيف نشتاق لأحدهم وهو متمثل معنا وحاضر زماناً ومكاناً؟ يبدو أن التعلق بأحدهم يحول الحب في مرحلة ما إلى شئ أشبه بالسراب، وهنا الحديث عن نوع متطور من التعلق. الأمر هنا ليس مسألة علاقة عاطفية أو حب بين طرفين. الأمر أكبر من ذلك بكثير. ورغم أن الأمر يبدأ عادة بإعجاب متبادل، لكنه يتطور لالتقاء أرواح بين طرفين. ...

فيلم “the best offer”.. الحب بين الحقيقة والخداع

Image
“هناك دائماً شيء حقيقي مخبأ في كل عمل مزور” يحكي فيلم (the best offer) قصة فيرجيل، وهو بائع مزاد علني مشهور، ويعتبر أحد أفضل رجالات هذا المجال، فهو يستطيع بكل بساطة أنَّ يبيع تحفاً ومقتنيات أثرية وفنية يعود عمرها إلى مئات السنين مقابل ملايين الباوندات في دقائق معدودة. يضاف لذلك امتلاكه خبرةً واسعة باكتشاف القطع الأصلية، ويعد أشهر رجالات عصره تمييزاً للتحف في ما إذا كانت حقيقية أم كانت تقليداً مزيفاً، إننا حتى لنراه يكتشف زيف اللوحات من نظرة واحدة. رجل هادئ، أرستقراطي مهندم، لا يأكل مع العامة، ولا يسلم عليهم بيديه، وإن وجب السلام فيتخذ لذلك قفازات لليدين، غني فاحش الثراء، وهو وقور لا يخالط أحداً، ولا يعبأ بالقوم، بل يحيا حياته الخاصة في قصره المنمق، وله حجرة يجمع فيها كل لوحات النساء التي تمر عليه، هو عاشق لهذه العادة. لكنه لا يقرب القوم ولا يقرب النساء. كرس حياته لعمله لدرجة أنه لا يجد فرصة ليتزوج؛ لكن حياته تبدأ بالتغير، لتنقلب رأساً على عقب، عندما تتصل به فتاة مجهولة، مريضة نفسياً، طالبة منه أن يقيم لها بعض التحف التي تملكها في منزلها لكي تبيعها في مزاد .. وهنا تبدأ علاقة فيرجيل بهذه...

الحب والسلطة: أو الحب كإعادة ولادة للعالم من جديد

Image
في كتابه «في مدح الحب» [1] يرى الفيلسوف الفرنسي «آلان باديو» أنه يلزمنا التمييز بين الحب والسياسة لأنهما على طرفي نقيض، حيث الأول، ينتمي لسرمدية الزمن، والثانية، تنتمي للعابر والظرفي، الأول، مفعم بالحنان والحدب والشغف، بينما الثانية، قائمة على الكراهية والتسلط والجشع المادي والسلطوي. وإذا كان ثمة تقاطع ما بين الحب والسياسة فهو موجود في لحظات التأسيس الثوري وحدها، حيث يشكل الحماس والبحث عن العدالة والجمال أساس العلاقة مع المستقبل[2]. يبدو باديو هنا قاطعًا في التأكيد على العلاقة السلبية بين مجالين يشكلان في الحقيقة مساحتي العام والخاص على الإجمال، فالسياسة، هي قضية المجال العام الأساسية، وجدليته السرمدية. والحب، هو الآخر له نفس الأهمية في مساحة الخاص، الذي هو إشكالها الدائم والمستمر. ما سيتبادر إلى الذهن الآن هو أسئلة حول مدى مصداقية طرح باديو حول الانفصال بين السياسة والحب؟ وهل هما يقعان فعلًا على طرفي نقيض؟ وإذا كان باديو مخطئًا وكان هناك ثمة علاقة اتصال بين المجالين فما هي نقاط الاتصال؟ وما شكلها؟ ولمقارعة طرح باديو، نقترح العودة بالزمن للوراء، وبالتحديد للعام 1949، حيث يبدأ «أورويل» ...

قراءة في فيلم الأرض

Image
أصبحت السينما في الوقت الحالي واحدة من أهم أدوات التنظير السياسي، فلم تعد تقتصر وظيفتها فقط في عمل محاكاة صامتة للواقع، بل تطور هذا الدور إلى قيام السينما بخلق عوالم جديدة غير تلك التي يقدمها الواقع، هذه العوالم تفتحُ مساحة هامة للمنظر السياسي لتخيل مجتمعات سياسية جديدة ومتجاوزة للواقع، بل إن السينما أيضًا باتت تقدم بدورها إجابات لأسئلة الواقع المعقدة، كما هو الحال في فيلم الأرض وما يقدمه من رؤية حول قيمة الأرض، تسهم في فهم الأساس النظري الذي على أساسه بيعت جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. تدور أحداث فيلم «الأرض» والذي نحن بصدد تحليله، في إحدى القرى المصرية قرية «رملة الأنجب» عام 1933، حيث يفاجأ أهلها بقرار حكومي بتقليل نوبة الري إلى 5 أيام بدلا من 10 أيام فيبلغ العمدة الفلاحين أن نوبة الري أصبحت مناصفة مع أراضي محمود بك الإقطاعي، فيجتمع رجال القرية للتشاور ويتفقون على تقديم عريضة للحكومة من خلال محمد أفندي ومحمود بك لكنه يستغل الموقف وتوقيعاتهم لينشأ طريق لسرايته من خلال أرضهم الزراعية، ولكن يثور الفلاحين -وعلى رأسهم محمد أبو سويلم- دفاعًا عن أرضهم ويلقون الحديد في المياه، فترسل الحكومة...

سنواتي الضائعة في دراسة العلوم السياسية في مصر

Image
من اليسير دائمًا أن ينبري المرء ليقدم نقدًا لاذعًا لأي من المجالات، ما دام بعيدًا عن هذا المجال وليس من دارسيه أو المشتغلين به، لكن أن تتقدم لنقد مجال أنت من أهله، أو على أقل تقدير من ضمن مريديه ودارسيه، والحديث هنا عن مجال العلوم السياسية، والأقسام التي تقوم بتدريسه في مصر، فهذا لعمري لأمر خطير، فللمجال رجاله، وللمعبد سدنته، وبعض أو جُل دارسي العلوم السياسية يتعاملون مع القسم كأنه القبيلة، ومن يدافع عن القسم فإنما يدافع عن شرف القبيلة، ومن ينقده وينقد قاماته وإدارته فإنما يلطخ شرف القبيلة، وكلما زدت في كيل المديح للقسم ولمنتجه العلمي، فأنت عنترة يذود عن عرض عبس وشرفها. لذا فإلاقدام على نقد كهذا هو وبكثير من التواضع مخاطرة لا تحمدُ عقباها، خصوصًا إن صدرت عن مُبتدِئ في المجال كصاحب المقال. لذا فالسطور التالية هي في الحقيقة لا تعدو أن تكون مجرد اقتراب متواضع من الإشكاليات التي واجهها الكاتب أثناء دراسته للعلوم السياسية في مصر، وهو اقتراب يأتي من واقع التجربة الشخصية قبل أن يكون نابعًا من واقع البحث والمطالعة، والمقال على الجملة يعبر عن رؤية شخصية وذاتية تمامًا يحملها صاحبه، مع ما تحمله ه...